الجواب: المقصود من معايشة القرآن الكريم أن تحب القرآن من كل قلبك ومن أعماق نفسك، فتحيي به ليلك ونهارك. وأن تحب القرآن حبا يستولي على قلبك وجوارحك ويتضاءل معه حب كل كتاب فيصبح القرآن هو الكتاب الأول والكتاب الأصل في شعورك. والكتب الأخرى لا تزيد على أن تكون مساعدة لك في فهمه، أو تطبيق أحكامه، أو استكشاف أسراره أو إقامة دولته. وأن تقرأ أي كتاب أو أي فكرة أو أي منهج أو أي نظام، فلا تقرأه إلا بمنظار القرآن ولا تقيسه إلا بمقياس القرآن. وأن يكون قلبك معلقا بالقرآن، لا تتلهى عنه في أي لحظة من لحظاتك ولا في أي خطوة من خطواتك. وأن تدع القرآن يسودك، ويسود أفكارك ومشاعرك، ويسود سلوكك وتصرفاتك فأنت تحب ما يحبه القرآن وتكره ما يكرهه القرآن، وتحرص على تطبيق جميع أحكام القرآن، وتحترق في ليلك ونهارك لإقامة دولة القرآن، وتبذل كل ما تستطيع من جهد وما تملك من مال في سبيل رفع لواء القرآن.
الجواب: علماء الإسلام لم يهملوا أبداً واجباتهم تجاه هذا القرآن، بل أدركوا مسؤليتهم، وقاموا بدوهم القيادي في حل مشكلات القرآن وشرح غوامضه، ثم استعانوا به في معالجة القضايا التي كانت تلحّ على الناس، وكانت تعنيهم في عصورهم وفي بيئاتهم. ومن هنا كان كل تفسير مرآة لعصره. فتفسير الإمام الرازي –مثلاً- مرآة لعصره، وهو يناقش كافة القضايا التي كانت تهمّ الناس في أيّامه. وتفسير الإمام الألوسي يناقش القضايا التي كانت تشغل الأذهان في عصره، وهكذا دواليك. فكل عصر تكون له قضايا، وتكون لتلك القضايا جهابذة يعالجونها ويكفون أمرها. وفي عصرنا هذا دوّنت تفاسير متعددة، وهي –في أغلبها- تناقش قضايا العصر، وتواجه التحديات العلمية والفكرية والنظرية التي جاء بها هذا العصر. ومن أبرز هذه التفاسير تفسير المنار للعلامة رشيد رضا، وفي ظلال القرآن للإمام سيد قطب، وتفهيم القرآن للإمام المودودي، وتدبر قرآن للعلامة أمين أحسن الإصلاحي.
ولا يفوتنا التنبيه إلى أن هذه القضايا وهذه التحديات لم تكن هي المقصد الأول لهذه التفاسير، بل كانت هذه التفاسير متعددة الأغراض ومعالجة قضايا العصر كانت من ضمن تلك الأغراض.
وحينما رأى العلماء أن قضية من قضايا العصر تستحق أن تعالج بصفة خاصة وبصورة مركزة في ضوء القرآن لجأوا إلى التفسير الموضوعي وتناولوا الآيات التي تعالج تلك القضية بصفة خاصة وأشبعوها بحثا وتفصيلاً. ومن هنا كان التفسير الموضوعي جبراً للنقصان الذي كان يلمح أحياناً في كتب التفسير من ناحية البحث في قضايا العصر وتحديات العصر.
الجواب: العلماء الذين عابوا التفسير بالرأي وندّدوا به، إن كانو يقصدون به التفسير بالهوى فهم مصيبون فيما فعلوا. والله يجزيهم عنّا وعن الإسلام كل خير حيث أنهم سدّوا باب التحريف في القرآن، وكَفَوا المسلمين شرّ هذه الفتنة.
وكان أولى بهم أن يسمّوه "التفسير بالهوى" بدلا من "التفسير بالرأي" فإن العرب لم يستعملوا أبداً الرأي بمعنى الهوى. واستعمال الرأي بمعنى الهوى يجرّ إلى سوء الفهم، ويوقع الناس في الوهم، ويمنعهم من واجب البحث والتحقيق في معاني القرآن.
وإن كان قصدهم بلفظ "الرأي" إعمال العقل وإعمال الفكر في الوصول إلى المعنى الصحيح والتأويل الصحيح للآية فهو كلام يخالف نصوص القرآن.
فالقرآن يحث دائما على التدبر والتفكر، ويحث على الاعتبار والتذكر، ويحث على الفقه والتوسم، ويحث على استخدام اللبّ وإعمال النظر.
وهل يمكن فهم القرآن بدون إعمال الرأي وإعمال العقل، وبدون الأخذ بأدوات الفهم؟ حتى ولو أراد المرء أن يفسر القرآن بالمأثور، فالتفسير بالمأثور أيضاً لا يمكن إلا بإعمال الرأي وإعمال العقل, فإنه إذا تعددت الأقوال والآثار –وكثيراًما تتعدد الأقوال والآثار- في تفسير آية من آيات القرآن، فكبف يمكن الوصول إلى القول الراجح أو الأثر الراجح من بين الأقوال والآثار المرجوحة بدون إعمال الرأي واستخدام العقل، وبدون عرض تلك الأقوال والآثار على أصول التأويل ومعايير الترجيح؟