المقالات
غزة العزّة مدرسة قرآنية فريدة!
محمد عناية الله أسد سبحاني
إن أهل غزّة، من غير شك، قوم صابرون! وقوم صامدون! وقوم شامخون!
قوم جُبِلوا على البذل والتضحية، وعلى الغيرة والحمية، وعلى التفاني في سبيل الله!
هذا الصبر والصمود، وهذا البذل والتضحية من أهل غزّة أعجوبة من أعاجيب الدهر!
صبر وصمود وتضحية أوقع الأعداء، كما أوقع الأصدقاء، في حيرة وعجب!
تُقذف الصواريخ الفتاكة، وتقذف القنابل المدمّرة من فوقهم، وتُهدّم المنازل على رؤوسهم، وتسقط الشيوخ و النساء والولدان ضحايا لذلك العدوان الغاشم!
تدمير إثر تدمير! وتهديم إثر تهديم! وضحايا تلو الضحايا!
تدمير وتهديم متواصل! وضحايا تدمي العيون! وتقرح الجفون! وتفتت الأكباد! وتصدّع القلوب!
ولكن تلك المآسي المستمرّة المتوالية التي مرّ عليها أكثر من سبعين يوما!
المآسي التي تكاد تخرّ لها الجبال هدّا! وتكاد السماوات يتفطرن لها من فوقهنّ!
تلك المآسي لم تزلزل أقدامهم، ولم تدخل الرعب والوهن في قلوبهم! ولم تنقص من عزيمتهم شيئا! بل كلما نزلت بهم نازلة زادتهم صمودا وشموخا وإيمانا، وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل!
وقالوا: الحمد لله الذي اختارنا للجهاد والاستشهاد!
وليست هذه حكاية الرجال فقط، فالنساء والعجائز لسن أقل صبرا وصمودا من الرجال!
وليست هذه حكاية الكبار فقط، فالصغار أيضا يقفون مواقف لا تقضي منها العجب!
من أين جاء هذا الصبر والصمود في أهل غزّة؟ ومن أين جاء هذا البذل والتفاني في سبيل الله؟
إنهم قوم تمرّ عليهم أيام وأسابيع بدون وجبات تشبع بطونهم، وبدون مياه تروي غليلهم!
إنهم تمرّ عليهم أيام وليال متواليات من غير أن يكتحلوا بنوم، ومن غير أن يجدوا فترة راحة و استجمام!
تعب وسهر متواصل يرهق أبدانهم، وجوع وظمأ متتابع يكسّر بنيانهم! فمن أين يكتسب هؤلاء الشجعان قوتهم ونشاطهم؟ ومن أين يكتسبون حيويّتهم وبسالتهم؟
هذا سؤال يدور في الأذهان، ويستعصي الجواب على الأفهام!
فما سرّ قوتهم ونشاطهم ؟ وما سرّ حيويّتهم وبسالتهم ؟ياترى
إنه حبّ القرآن ومعايشة القرآن!
إنه التخلق بخلق القرآن!
إنه التشبع بروح القرآن!
إنه النهوض برسالة القرآن!
إنه الاتصال العجيب المتواصل بكتاب الله!
إنه القيام بآيات الله آناء الليل وآناء النهار!
القرآن هو الذي ملأهم جميعا، ملأ رجالهم ونساءهم همّة وعزيمة وطموحا ونشاطا!
كم توجد في الدنيا من مدارس القرآن!
وكم توجد من معاهد القرآن!
وكم توجد من كليات القرآن!
وكم توجد من مؤسسات القرآن!
مدارس ومعاهد لا يأتي عليها العدّ، وكليات ومؤسسات لا يضبطها الإحصاء!
ولكنها ليست كمدرسة غزّة العزّة، التي أنجبت رجالا أيّ رجال!
وأنجبت أجيالا ليست كالأجيال!
إنها أنجبت رجالا كالشمّ الرواسي!
فهم نماذج حيّة للصبر والصمود!
ونماذج حيّة للحمية والشجاعة!
ونماذج حيّة للعزة والكرامة!
ونماذج حيّة للبذل والتضحية!
ونماذج حيّة للتفاني في سبيل الله!
إنها أنجبت أجيالا ليست كالأجيال، ففيها صبر وثبات، وفيها عزة وطموح، وفيها همّة وشموخ! ويصدق عليها المثل السائر: إن هذا الشبل من ذاك الأسد!
وإن هؤلاء الأشبال من تلك الأسود!
نحن بحاجة إلى مدارس قرآنية تشبه مدارس غزّة في تخريج الرجال وفي تربية الأجيال!
نحن بحاجة إلى مدارس قرآنية جادّة تكون على منوال مدرسة غزّة في بناء الشخصيات وصنع الأبطال!
إن مدرسة غزّة تفسر لنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يرفع بهذا القرآن أقواما ويضع به آخرين!
فالله سبحانه وتعالى رفع بهذا القرآن أهل غزّة وأحلافهم، ووضع به أعداءهم الطغاة المجرمين! فلك الحمد ياربِّ! يامنزل الكتاب! ويا مجري السحاب! ويا هازم الأحزاب!
لك الحمد يارب كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك!