مشاركة:

المقالات


image not found

المشكلة كلّها في الكفر، وليست في التكفير!

محمد عناية الله أسد سبحاني

نشر في الموقع "الإسلاميون" يوم 26-06-2014

أفادت صحيفة "العالم الإسلامي" التي تصدرها إدارة الثقافة والإعلام برابطة العالم الإسلامي، أنه عقد مؤتمر في الشهر المنصرم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف المصرية في القاهرة، ألقى فيه شيخ الأزهر أحمد الطيب كلمته في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، وطالب قادة الأمة الإسلامية و علماءها بالتركيز على منهج الوسطية والاعتدال لمواجهة الفكر المتشدد والإرهابي!"  

يذكّرنا هذا الموقف، الذي وقفه شيخ الأزهر، قول نبينا عليه الصلاة والسلام، وهو الصادق المصدوق: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: "إذا لم تستحي فاصنع ما شئت."  

(صحيح البخاري- رقم :6120)

فكم يتعجب المرء حينما يرى الذئاب المفترسة تدعو إلى الوسطية والاعتدال ومكافحة الإرهاب، وأنيابها ومخالبها تقطر دماً!

 هذا الرجل الذي عرفه الجميع بأن قلبه حجر قاسٍ، ووجهه كزٌّ عبوس!

هذا الرجل الذي لايحمل بين جوانحه إلا صخرة صلدة! وصفاة صمدة!

هذا الرجل الذي لم يرحم طلاب الأزهر وطالباته أيّ رحمة، لم يرحم الطلاب الذين كانوا بمنزلة أبنائه البررة، ولم يرحم تلك الطالبات اللاتي كن بمنزلة بناته الوفيات!

 هولم يرحمهم، ولم يرحمهنّ، بل عاملهم جميعا معاملة فظّة قاسية ظالمة! عاملهم معاملة لاتجد مثالها في تاريخ الجامعات والمؤسسات العلميّة العالمية!

هذا الرجل الذي دعا القوات المسلحة ورجال الأمن لاقتحام الحرم الجامعي، تحطيما لمعنويات الطلاب والطالبات، وتثبيطا لهممهم، ودعما للانقلاب الغادر الفاجر، وتزلفا إلى السيسيّ اللعين الزنيم!

دعا هؤلاء الجنود الغلاظ الشداد المدججين بالسلاح، حتى يضربوا هؤلاء الشباب الأبرياء العزّل، ويضربوا تلك الفتيات الفاضلات البريئات! ويقتلوهم ويسحلوهم، ويسجنوهم من غير رأفة ولارحمة ولا احتشام!

وحصل ذلك فعلا، فقد سقط عدد كبير منهم بين قتيل وجريح! والقتل والإصابات لم تكن في الطلاب فقط، بل الطالبات أيضا كن ضحايا لتلك الوحشية الملعونة!

ثم احتجز الجنود من تمكنوا منهم ومنهنّ، و ألقوهم جميعا في غياهب السجون!

وتلك المأساة التي تندى لها الجبين، وتقشعرّ منها الجلود، لم تحدث مرة واحدة في حرم الأزهر، بل حصلت مرات متواليات، ومازالت!

هذا الرجل المهين كان عليه أن يستحيي من نفسه، ويستحيي من قومه، ويخفي نفسه من أعين الناس، وكان أولى بأن يغرق في شبر من ماء! هذا الرجل يبرز للناس بكل وقاحة وصلابة وجه، ويدعوهم إلى التركيز على الوسطية والاعتدال ومكافحة الإرهاب!

واستمرّ الرجل ينفث السمّ بكلماته، وحثّ الحضور على البحث عن أسباب عودة الفكر التكفيري إلى المجتمعات الإسلامية والعربية، وحثّ على اتخاذ إجراءات حازمة لمواجهته،وقال:

"إن الفكر التكفيري يغتال الآمنين، ويحول حياة الناس إلى جحيم، وإنه من المؤلم ارتكاب هذه الجرائم تحت اسم الإسلام، مشيرا إلى أن جرائم كثيرة ترتكب باسم الدين مما دفع الإعلام الغربي إلى استغلال ذلك في تشويه صورة الإسلام بوصفه دين الهمجية."

وجاء بعده رئيس الوزراء المصري المهندس إبراهيم محلب، وطالب علماء الأمة بوضع وثيقة علمية تتبنى السماحة والوسطية في مواجهة التكفير والتشدد، الذي تعاني منه المجتمعات الإسلامية والعربية.

وحذّر محلب من محاولة البعض اتخاذ الدين كوسيلة لتحقيق مصالح سياسية وسلطوية، لافتا الانتباه إلى مخاطر خلط السياسة بالدين !

أقول لك يا محلب! أنت في وهم شديد عن الدين، كأنك لم تعلم عنه شيئا، مع أنك رجل مسلم، وكان  عليك أن تفقه دينك، فإن الإسلام ليس كلمة تقال باللسان، وإنما هو حب الله وحب رسوله بصدق وإخلاص، واتباع شرائعه في مجالات الحياة كلها، والإيمان بأن تلك الشرائع هي سلّم السعادة، ومفتاح الرقيّ والتقدم في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

فإبعاد الدين عن السياسة، أوفصل الدين عن الدولة هو الذي يخلق الفراعنة والتبابعة على أرض الله، وما أكثرهم على أرض مصر!

وهذا البعد عن الدين، وفصله عن السياسة هو الذي جلب على الشعب المصري النبيل هذا الشقاء الطويل، الذي لاينجلي ليله، ولاينقشع غمامه!

ولوكان الدين مرافقا ومخالطا للسياسة في مصر، لكانت مصر اليوم من الرقيّ والتقدم والرفاهية بحيث لايشقّ لها غبار، ولاتوطأ لها آثار، ولوسامت السحاب لوطئته بالأعقاب!

ولكن قبّح الله العلمانية، فهي التي دحرجت أرض مصر إلى الحضيض من الفقر والجوع والشقاء، و جرّدتها من كل معاني العزّ والكرامة والرفاهية!

وهي التي أساءت إلى سمعة الإسلام وبلاد الإسلام، وأبناء الإسلام، فليرجع المفتونون بالعلمانية إلى حظيرة الإسلام، ولقد أعزّنا الله بالإسلام دهرا طويلا، فلما ابتغينا العزة في غير الإسلام أذلنا الله!

وبعد محلب جاء وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة، وأكد في كلمته أثناء المؤتمر رفض كل أشكال التشدد والتطرف مشيرا إلى معاناة المجتمعات من توظيف الدين لأغراض سياسية، مما يتطلب رفض استخدام الدين لتحقيق مصالح خاصة، ولفت إلى الآثار السلبية للتكفير والإرهاب على علاقات المجتمعات الدولية.

ماأصلب وجهك! وماأقل حياءك! يامحمد مختار جمعة! وهل وظف الدين لأغراض سياسية هابطة إلا أنت، وزميلك أحمد الطيب، ومن انضمّ إليكما من الهمج الرعاع!

أنت تعرّض بناس لايرون إلى الدنيا إلا نظرة الكرام، ولايعرفون غير البذل والتضحية لدينهم، وقومهم، ووطنهم، فهم أرهقوا أنفسهم حتى يريحوا الآخرين! ورضوا بالبؤس والحرمان، حتى يُسعدوا الآخرين! وضحوا بنفوسهم ونفائسهم حتى يخرجوا مصر وأهلها من الضيق إلى السعة، ومن الشقاء إلى السعادة، ومن الذل والهوان إلى العزّ والكرامة! فلله درّهم! ماأكرمهم! وما أشرفهم!

فعد إلى رشدك يامحمد جمعة! ولاتبسط لسانك بسوء إلى ناس لاتساوي غبار أقدامهم!

وبعد محمد مختار جمعة نبّه وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بالمملكة السعودية الدكتور توفيق بن عبد العزيز السديري من جهته في كلمته إلى خطورة الفكر التكفيري على المصالح الوطنية والعلاقات الدولية للدول العربية والإسلامية.  (العالم الإسلامي- العدد: 2295)

وهنا يلحّ علينا سؤال: ماهو الفكر التكفيري؟ وما هو التشدد، والتطرف، والإرهاب؟

ماهو الفكر التكفيري، الذي يقلق بال هؤلاء وهؤلاء؟ وما هو التشدد، والتطرف، والإرهاب الذي يؤرّقهم، ويقضّ عليهم مضاجعهم؟!

هل التشدد، والتطرف، والإرهاب لايوجد إلا في المسلمين الصالحين؟ ولايوجد إلا في الشباب الركّع الساجدين؟ ولايوجد إلا في ناس يحبون ربهم، ويحبون نبيهم، ويحبون دينهم وقرآنهم، ويحبون قومهم ووطنهم؟

هل الذين يملؤون سجون مصر من الكهول وكبار السنّ، وقضوا حياتهم في طاعة ربهم، والنصح لقومهم، وماضربوا شخصا، وما زجروه، وما نهروه، وما كهروه! مع أنهم أوذوا بأنواع من الأذى وشُتموا، وهوجموا من خصومهم، وهُدّدوا! هل هؤلاء الناس كلهم متشددون، ومتطرفون، و إرهابيون؟

هل تلك العجائز، وتلك الفتيات، وتلك الصغيرات، اللاتي زجّ بهن في السجون، وليس لهن ذنب إلا أنهن رفعن أصواتهن ضد الظلم والطغيان، فهن يعذبن أسوء العذاب! ويصبحن ويمسين في ذل وهوان! هل أولئك كلهن متشددات، ومتطرفات، وإرهابيات؟

هل هؤلاء الشباب الطامحون، الغيارى على دينهم، الصادقون في عهدهم مع ربهم، الذين تفخر بهم الأرض، وتفخر بهم السماء، والذين يعذبون أسوء عذاب في سجونهم، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا!

وليس لهم ذنب إلا أنهم مسلمون صالحون! فلم يمسّوا أحدا بسوء، ولم يؤذوا شخصا بحرف، هل هؤلاء كلهم متشددون، و متطرفون، وإرهابيون؟

وأنت ياشيخ الأزهر سلميٌّ، ووسطيٌّ، واعتداليٌّ لأن أنيابك ومخالبك تقطر دما! وبدلتك السوداء اللامعة مخضّبة بدماء الطلاب والطالبات!

وأنت يا إبراهيم محلب، رئيس وزراء الانقلاب! سلميٌّ ووسطيٌّ واعتداليٌّ! لأن حكومتك خرّبت المؤسسات التعليمية، وخرّبت المستشفيات، وخرّبت البلاد، وجفّفت العيون والآبار، وألبست أبناء مصر كلهم لباس الجوع والظمء والخوف، فهم في معاناة وعذاب!

والجديد النحس المشؤوم في حكومتك أنها حوّلت أرض مصر كلها إلى سجون وزنزانات، سجون وزنزانات معروفة، وسجون وزنزانات سرّية غير معروفة!

وهي كلها قطعات الجحيم! وهي دركات، كما أن جهنم دركات! والسجون السرّية أشد وأفظع من السجون المعروفة مرات ومرات!

وآلاف من الأبرياء الصالحين يتجرعون هناك صنوفا وألوانا من العذاب، ولايعرفهم أحد، حتى آباؤهم وأمهاتهم وإخوانهم لايعرفون أماكنهم، ولايعرفون أنهم أحياء، أم أصبحوا رهين أجداث!!

فمن اغتال الآمنين  يا أحمد (بدون حمد!) الطيب (الخاوي من الطيب!)؟ ومن حوّل حياة الناس إلى جحيم؟ أنت ومحمد مختار جمعة، وإبراهيم محلب، وغيركم ممن يطول ذكرهم، أم هؤلاء الشباب الأطهار، والفتيات البريئات؟

إنه لمن العجب العجاب أن تشكو الأفاعي والثعابين السامّة من الحيوانات الهادئة الوادعة، غير السامّة أنها حولت حياتها في الغابة إلى الجحيم!                        

ثم ما هو الفكر التكفيري الذي يقلق بالكم؟ ياشيخ الأزهر! ويارئيس وزراء الانقلاب! وياوكيل وزارة الأوقاف بالمملكة، الشيخ السديري! هل إنكار المنكر، والاحتجاج ضد الظلم والطغيان هو الفكر التكفيري؟

هل تريدون أن يعيش شباب الإسلام في أرضهم وفي أوطانهم كالأموات، فلاينكروا المنكر! ولاينكروا الظلم والطغيان، ولوتفاقم شره، واستشرى فساده!

وهل تريدون منهم؟ ألاينبسوا بحرف، وهم يرون بأعينهم انتهاك حرمات الإسلام علناً! ويرون أعداء الله يسعون في الأرض فساداً! وقدبلغ السيل الزبى! وجاوز الحزام الطُبيين!                               

إن أمراء المسلمين ورؤوساءهم وحكامهم أصبحوا عملاء، وأذنابا لأعداء الإسلام،إلا من رحم ربك! فهم يفعلون مايؤمرون، وينفذون خطتهم الإجرامية، ولايفقهون! ويحاربون الإسلام، وأمة الإسلام، ويزعمون أنهم يخدمون الإسلام، ويخدمون الوطن، ويحافظون على الأمن واستقرار البلد!

هم لايرقبون في مؤمن إلّا ولاذمّة؛ ولايهمّهم إلا أن يرضوا ساداتهم من الشرق والغرب! ولايذكرون الله ربهم إلا قليلا، فبئس للظالمين بدلا!

  أحلامهم ليست أحلام المسلمين، وأحاديثهم ليست أحاديث المسلمين، وعاداتهم ليست عادات المسلمين، وتصرفاتهم ليست تصرفات المسلمين!

لاتجد بينهم وبين الحكام الكفار أيّ فرق، من أيّ ناحية! وإن وجدت بينهم وبينهم أيّ فرق، فهذا الفرق يكون في صالح الكفار، لافي صالح المسلمين، حيث تقول:

هؤلاء الكفار خير من هؤلاء المسلمين!

هؤلاء الكفار أرحم بقومهم من الحكام المسلمين بقومهم!

هؤلاء الكفار أشد تمسكا بدينهم وحضارتهم، من الحكام المسلمين بدينهم وحضارتهم!

هؤلاء الكفار أشد اهتماما براحة رعيّتهم وكرامتهم من الحكام المسلمين براحة رعيّتهم وكرامتهم!

وأمر العلماء لايختلف عن أمر حكامهم، حيث نسوا كرامتهم، ونسوا مسئوليتهم، فلم يصونوا علمهم ولا دينهم، وأراقوا ماء وجوههم على عتبة أبواب ملوكهم وأمرائهم، وأصبحوا مناديل في أيديهم، يمسحون بهم درنهم وأوساخهم ! فهم يحملون أوساخهم وأثقالهم!

هم أفتوا لهم بكل ماراقهم وأعجبهم، وطبّلوا لهم في حقهم وباطلهم، وصفّقوا لهم في معروفهم و منكرهم! ولم يكن فيهم من يقول لهم:

"إن أصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة، ليرفض أن يكتب حرفا واحدا يقرّ به حكم طاغية!"

فهل تريدون من هؤلاء الأبطال والأشبال ؟ يا جماعة المشائخ! وياجماعة الأمراء والحكام! هل تريدون منهم أن يكونوا صمّا بكما عميا أمام تلك الأحداث الفوادح،والكوارث الجسام، فلاينكروا منكرا، ولايضطربوا اضطرابا، ولايتململوا تململا، ولوكان كفرا بواحا؟!

وإذا كنتم تلومون هؤلاء الشباب، وهؤلاء الأبطال على إنكارهم المنكر، وتلومونهم على احتجاجاتهم ضد الظلم والطغيان، وضد الكفر والفسوق والعصيان، فلوموا ربكم قبل أن تلوموهم، فإنه هو القائل في كتابه الكريم، الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (سورةالمائدة:51)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (سورةالنساء:145)

 وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ( سورةالنساء:93)

وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (سورةالمائدة:44)

 وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (سورةالمائدة:45)

وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (سورة المائدة:47)

ذلك غيض من فيض، وإلا فالآيات كثيرة، والأحاديث من حيث لاتحصى، وتلك الآيات، وتلك الأحاديث من الوضوح بحيث لاتخفى على ذي بصر ! وقد ظلم من صرف تلك الآيات و تلك الأحاديث عن ظاهر معناها، إرضاء للملوك والأمراء!

فانظروا أيها الأمراء! وانظروا أيها العلماء! في تلك المرايا وجوهكم، وانظروا أين مكانكم من قرآنكم! وأين مكانكم من سنة نبيكم! المشكلة ليست مشكلة التكفير أبدا، وإنما هي مشكلة الكفر!

كيف دخل الكفر في حياتنا، حتى أدى ذلك إلى سفك الدماء، وإهدار الحقوق، وانتهاك الأعراض، وقد نهانا نبينا عليه الصلاة والسلام عن تلك الموبقات كلها قبل أن يفارقنا، وسماها كفراً!

 فقد روى البخاري عن ابن عباس ، رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر، فقال: يا أيها الناس! أي يوم هذا ؟ قالوا: يوم حرام. قال: فأى بلد هذا؟

قالوا: بلد حرام. قال: فأى شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام.

 قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا،في شهركم هذا، فأعادها مرارا ثم رفع رأسه ، فقال:

اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟

قال ابن عباس ، رضي الله عنهما: فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته - فليبلغ الشاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض !  (صحيح البخاري- رقم الحديث:1739)

تلك وصية رسول الله في خطبة الوداع، ولكن أين نحن من تلك الوصية الغالية ؟ فكم سُفكت الدماء ؟ وكم هتكت الأعراض؟ وكم نهبت الأموال ؟ وكل ذلك من الكفر!

فأصبح الكفر في حياتنا شيئا عاديّا، ونحن نزعم أننا مسلمون! وعلماء المسلمين ومشائخهم لايُقلقهم انتشار الكفر عند الأمراء والحكام، وفي الجيوش والجنود، وفي كثير من مجتمعات المسلمين، وإنما يُقلقهم أن تعمّ الشعوب صحوةٌ إسلامية قوية، حيث خرجوا في ثورة إسلامية عارمة، ولايبغون عنها حولا!

لابد من توفير الحرية والكرامة لكل مواطن، ولابد من احترام إرادة الشعب من غير ظلم ولاعدوان، فالناس كلهم سواسية كأسنان المشط، كلهم من بني آدم، وكلهم من أم وأب واحد،ولافضل لأحد على أحد إلا بالتقوى. إن أكرمكم عند الله أتقاكم.

وإنه لمن السفاهة، وقلة المروءة، وقلة الحياء أن يتسلط شخص أوأشخاص، أو أسرة واحدة على رقاب الناس ظلما وقهراً، وهم يكرهونهم ويمقتونهم! وعلى الرغم من ذلك هم يصرّوا على ركوب رقابهم، ويسفكوا لأجله الدماء ! وينتهكوا لأجله الحرمات!

إنه ورب الكعبة كفر بواح! فليجتمع علماء المسلمين وقادتهم على دفع هذا الكفر البواح، وإن كان هناك من يصرّ على دعم هذا الكفر البواح، فليفعل مايشاء، وليعدّ الجواب ليوم الحساب! وماعلينا إلا البلاغ!