مشاركة:

المقالات


image not found

كلمات حول ظاهرة الكفر والتكفير

محمد عناية الله أسد سبحاني

نشر في الموقع "الإسلاميون" يوم 28-03-2014

  ليس من حق أيّ جهة، سواء كانت حكومية، أم غير حكومية، قضائية أم غير قضائية، دينية أم غير دينية أن تكفّر، أو تفسّق أو تجرّم مسلما، أو جماعة مسلمة، أو منظمة إسلامية.

ليس من حقها أن تهتك الأستار، وتحطّ في الأعراض برأيها و اجتهادها، اعتمادا على إشاعات كاذبة، أو حكايات مفتعلة، أو شهادات مزوّرة !

ليس ذلك من حق أي جهة، كائنة ما كانت، إذا لم يكن لديها نص صريح واضح من كتاب الله، أوسنة رسول الله؛ فخلع صفة الإسلام، أو خلع صفة الإيمان، أو خلع صفة الخيرية والوسطية عن شخص مسلم، أو جماعة مسلمة،أو منظمة إسلامية من اختصاص الخالق العليم بذات الصدور، وليس من اختصاص العباد- العباد الذين لايعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون، و الذين لا يتبعون إلا الظن، إن هم إلا يخرصون!

فالحق أننا دعاة، لاقضاة ! ولايليق بنا أن نخرج في شأن إخواننا المسلمين، ولوكانوا مسيئين وخاطئين ! لايليق بنا أن نخرج في شأنهم من إطار النصح والدعوة والتربية والتوعية والتوجيه، إلى إطار البغض والحنق والتفسيق والتكفير و التجريم، إلا أن يكون كفرا بواحا،أو فسقا صريحا بدليل واضح من الكتاب والسنة ! قال ربنا سبحانه وتعالى:

  وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِاحْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا( سورةالأحزاب:58)

وقال سبحانه وتعالى:

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( سورةالحجرات:11)

فرسول الله و أصحابه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، لم يكونوا ينادون أحدا من جماعة المسلمين باسم المنافق، أو الفاسق، أوالفاجر، وإن كانت الجماعة لاتخلو من تلك الأصناف بنص القرآن، مثل قوله تعالى:

وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ( سورةالتوبة:101)

وقال تعالى:

وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ(77-سورةالتوبة)

والقرآن، وإن ذكر تلك الأصناف كلها،لم يذكرهم بأسمائهم، وإذا لم يذكرهم بأسماءهم، لم يجز لشخص أن يتولى تصنيف الناس حسبما يشتهي. فالأمر كله موكول إلى علم الله سبحانه وتعالى، وهو الذي يسمي من شاء بما شاء حسب علمه الدقيق المحيط.

 روى البخاري عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أيما رجل قال لأخيه : كافر ، فقد باء بها أحدهما. (الأدب المفرد- رقم الرواية: 439)

  وروى أيضا عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا قال للآخر : كافر ، فقد كفر أحدهما ، إن كان الذي قال له كافرا، فقد صدق ، وإن لم يكن كما قال له، فقد باء الذي قال له بالكفر. (الأدب المفرد:رقم الرواية:440)

  وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال بلغني عن عمرو بن العاص، وهو أمير مصر، قال لرجل من تجيب يقال له قنبرة، يا منافق! قال فأتى عمر بن الخطاب فكتب عمر إلى عمرو: إن أقام البينة عليك جلدتك تسعين ! فنشد الناس، فاعترف عمرو حين شهد عليه. زعموا أن عمر قال لعمرو: أكذب نفسك على المنبر ففعل فأمكن عمرو قنبرة من نفسه، فعفا عنه لله عز و جل.

(مصنف عبدالرزاق:رقم الرواية: 13743)                                                     

فاتهام المسلمين، والطعن في دينهم وخلقهم، والقول بأن تلك الشخصية، أو تلك الجماعة، أو تلك المنظمة إرهابية متطرفة، أو هي من الخوارج، أو هي من أهل البدع، أو هي من أهل الفسق، من غير دليل صريح ثابت من الكتاب والسنة قول ساقط مرذول ! والذي يطلق مثل تلك الأحكام الجائرة من غير حق يعرض نفسه لسخط الله، ولن ينجو من أوزارها عند الله.

    روى ابن ماجة عن معاذ بن جبل ، قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير ، فقلت : يا رسول الله ، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ، ويباعدني من النار ، قال : لقد سألت عظيما ، وإنه ليسير على من يسره الله عليه ، تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت.

 ثم ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ النار الماء ، وصلاة الرجل في جوف الليل ، ثم قرأ {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ {جزاء بما كانوا يعملون}.

ثم قال : ألا أخبرك برأس الأمر ، وعموده ، وذروة سنامه ؟ الجهاد.

ثم قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ قلت : بلى ، فأخذ بلسانه ، فقال : تكفّ عليك هذا. قلت : يا نبي الله ! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال : ثكلتك أمك يا معاذ ! هل يكبّ الناس على وجوههم في النار ، إلا حصائد ألسنتهم ؟.

(سنن ابن ماجة- كتاب الفتن- رقم الحديث:3973)

 فالأمر خطير، جدّ خطير! والغفلة عنه مَهلَكة، فصفاء الجنان، وعفة اللسان، ونزاهة القلم، والترفع عن تجريح الهيئات الإسلامية، والشخصيات الإسلامية، والنصح لعامة المسلمين وخاصتهم من أساسيات الإسلام، ومن صفات الصالحين.

وحسبنا ماحدث في تاريخنا القديم من تمزيق الأمة، وتبديد شملها، وتصنيفها إلى فرق ضالة، وطوائف مبتدعة، وأحزاب باطلة !

وكان من شؤم هذا التصنيف أنه مزّق الأمة الإسلامية الواحدة كل ممزق، حتى أصبح توحيد صفوفها، وجمع كلمتها، بعد تمزيقها وتبديد شملها، أمرا أصعب من إعادة اللبن إلى ضرعه !

فياليت المسلمين عادوا إلى رشدهم، ونسوا أحقادهم فيما بينهم، وأنابوا إلى ربهم، ورجعوا إلى أصل أمرهم، وهو أنهم أمة واحدة، ذات قبلة واحدة، وشريعة واحدة، ورسالة واحدة !